تعاظمني ذنبي ، فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعـفو منه وتكرما
رابعاً : في عصر الدول المتتابعة :
أ - تدهورت الأحوال السياسية والاجتماعية في عصر الدول المتتابعة بعد سقوط الدولة العباسية ، لكن الله شاء أن يظل الإسلام قوياً ، فهيأ له مجموعة من العلماء والأئمة الذين نصحوا الناس ، ودافعوا عن حمي الإسلام . ومنهم [ ابن تيمية ، ابن القيم ، الحافظ بن كثير ، ابن حجر العسقلاني ، جلال الدين السيوطي ] .
ب - تصدي أدب الدعوة بهؤلاء الدعاة لكل ما ظهر من البدع والفتن . وضلالات المنجمين ، وشيوع المفاسد كما تصدي هؤلاء ومعهم الأباء شعراء وخطباء .
جـ - كان أدب الدعوة الإسلامية لسان الجهاد ، وسيف قتال الصليبيين ، ومن ذلك قول عمر بن الوردي يدعو إلي ترك الانحراف والالتزام بالحق وتقوي الله عن طريق العلم .
اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفضل ، وجانب من هزل
واتق الله ؛ فتقوي الله ما
جاوزت قلب امرئ إلا وصل
ومن ذلك أيضا قول صفي الدين الحلي ، يمدح الملك الصالح في حروبه ضد أعداء الإسلام ، قال :
لما رأي الشر قد أبدي نواجذه
والغدر عن نابه للحرب قد كشرا
رأي القسي إناثاً في حقيقتها
فعافها ، واستشار الصارم الذكرا
فجرد العزم من قتل الصفاح لها
ملك عن البيض يستغني بما اشتهرا
خامساً : أدب الدعوة الإسلامية في العصر الحديث :
أ - بدأت بشائر البعث في الفكر والأدب حين ظهرت مجموعة من المصلحين ، وعلي رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن 12 الهجري . وظهر أئمة في القرنين 13،14 - منهم الشيخ محمد عبده ، وتلميذاه محمد رشيد رضا ، وشكيب أرسلان ، والأستاذ / سيد قطب .
ب - حين قامت دعوات التفرنج والعصرية ، التي تدعو إِلي مسايرة العصر ، وذلك يعني ترك تقاليدنا وتراثنا حتي الديني ، زاعمين ، أن الإسلام هو سبب تأخر المسلمين ، كان طبيعياً أن يثور الوجدان العربي الإسلامي للدفاع عن الإسلام ، فقام الشعراء ، والكتاب والعلماء ، يرسخون العقيدة ، ويستعيدون التاريخ الإسلامي المجيد ، ويتخذون من سيرة النبي - صلي الله عليه وسلم - منهجا للحياة الكريمة ، ومنهم : عباس محمود العقاد ، في كتبه ( العبقريات ) وغيرها . ومحمد حسين هيكل ، في كتبه ( في مترل الوحي ، حياة محمد ) .
جـ - وظهر اهتمام بالقرآن وعلومه وإعجازه ، فظهرت مؤلفات عظيمة ، من أكثرها فائدة وإثراء للفكر : ( إعجاز القرآن ) لمصطفي صادق الرافعي ، ( التصوير الفني في القرآن ، مشاهد يوم القيامة ، في ظلال القرآن ) للأستاذ / سيد قطب .
د - وظهرت صحف ومجلات تساند الدعوة الإسلامية ، ومنها : مجلة الأزهر ، نور الإسلام ، التي سطرتها أقلام الدعاة المسلمين من أمثال : سيد قطب ، الرافعي ، محب الدين الخطيب .
هـ - وشارك الشعراء بشعرهم ، فنظموا القصائد الطوال والقصار ، وعلي رأسهم : أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ، وأحمد محرم ، ومحمود غنيم ، وإبراهيم القطاني ، وعمر بهاء الأميري .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدرس الثاني - من أدب الدعوة الإسلامية - أولا : الشعر
( 1 ) فتح مكة ..... لأحمد محرم
- أحمد محرم - من شعراء الاتجاه الإسلامي بمصر - ثقف نفسه بالمداومة على القراءة .
- نظم الشعر صغيرا - متجها إلي الشعر التقليدي .
- اتصل بشعراء جيله ، ونظم القصائد الوطنية والإسلامية التي لاقت إعجابا كثيرا .
- عاش عفيف اليد ، فلم يمدح ، ولم يتقرب بشعره لأحد .
- أهم أعمال : ( الإلياذة الإسلامية ) :
1 - الإليادة الإسلامية محاولة من الشاعر أحمد محرم لإيجاد فن الملحمة في الشعر العربي ، على غرار ملاحم الأمم الأوروبية ، وقد شاركه في هذا الفن أحمد شوقي ، وبولس سلامة .
2 - اختار موضوع ملحمته من عصر صدر الإسلام ، حيث اتخذ من غزوات الرسول ( ص ) وهجرته وجهاده موضوعاً لملحمته .
3 - قسم أحمد محرم ملحمته إلي فصول ، وكتب مقدمة نثرية لكل فصل ، وقد بلغت هذه الملحمة عدة آلاف من الأبيات ، فكأنها ديوان كامل .
4 - عارض بعض النقاد في تسمية هذا العمل ( الإلياذة الإسلامية ) ، ورأوا أن تسمي ( ديوان مجد الإسلام ) ، لأنها تحتاج إلي كثير من العناصر الفنية للملحمة ومن ذلك :-
أ - الملحمة تعتمد على المعارك والبطولات الحربية فقط ، وأحمد محرم سجل فيها جهاد للرسول - صلي الله عليه وسلم - في نشر الدعوة الإسلامية سلماً وحرباً وهذا مخالف لطبيعة الملحمة .
ب - تقوم الملحمة أساساً على الخوارق والخيالات والأساطير ، وأحمد محرم لا يستطيع خلق أحداث تاريخية ، أو إضافة خيالات على الأحدث الإسلامية الثابتة .
ج - الملحمة لها وزن واحد ، وقافية واحدة . وأحمد محرم تعددت الأوزان والقوافي في قصائده . بجانب تعدد الموضوعات والغزوات . والملحمة لها موضوع واحد معركة واحدة أو ما يتصل بها .
فتح مكة
أ -
1- الله أكبر ، جاء الفتح ، وابتجهت
للمؤمنين نفوس ، سرها وشفي
2 - مشي النبي يحف النصر موكبه
مشيعاً بجلال الله مكتيفاً
3 - أضحي أسامة من بين الصحاب له
ردفاً ، فكان أعزَّ الناس مرتدفا
4 - لم يبق إذ سعطتْ أنوار غرته
مغني بمكة إلا اهتز أو وجفا
5 - تحرك البيت ، حتي لو تطاوعه
أركانه خف يلقي ركبه شغفاً
6 - وافاه في صحبه من كل مزدلف
فلم يدع فيه للكفار مزدلفا
الله أكبر : ( أكبر ) اسم تفضيل ، حذف المفضل عليه لشمول وعموم الصفة لله تعالي، وأنه أكبر من كل شيء ، فلا يجوز أن يكون طرف آخر للمفاضلة .
الفتح : المراد فتح مكة - قال تعالي ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا )
موكبه : الموكب جماعة من الناس يسيرون ركبانا ومشاة في زينة أو احتفال .
ابتهجت : امتلأت سروراً بالفتح .
جلال الله : عظمته وتترهه فوق كل شئ .
غرته : الغرة أول كل شئ وأكرمه ، ومن الرجل : وجهه ، جمعها = غرر
مغني : المكان - المنزل الذي غني به أهله ، جمعه ( مغان )
وجف : خفق ، وأصله للقلب حين يخفق من الخوف ، أو يرتعد .
خف : صار خفيفاً - أسرع ، فيستطيع الحركة بسرعة .
شغفا : شدة الحب والشوق .
شرح الأبيات :
الله أكبر ، لقد تم فتح مكة ، وها هي نفوس المؤمنين قد امتلأت سرورا، وشفيت مما كابدته من ألم البعاد طوال سنوات الهجرة ، وشفيت مما كان يؤلمها من كيد الكفار وإيذائهم . وها هو الرسول - صلي الله عليه وسلم - يخرج من المدينة في جلال النبوة ، مشمولا برعاية الله وتأييده ،وقد أردف أسامة ابن زيد خلفه ، فنال أسامة بذلك شرفاً عظيماً ، وما إن أشرق النبي - صلي الله عليه وسلم - بنور وجهه على مكة . واقترب منها حتي شمل أهل مكة فرح غامر ، وما من بيت إلا قد فرح بهذا اللقاء الحبيب ، حتي البيت الحرام لو كان يملك الإسراع لخرج مسرعأً للقاء الحبيب القادم إليه .
التحليل والتذوق :
1- الله أكبر : استهلال يملأ النفس عزا وعزما ، وقوة وثقة واطمئناناً ، وهو هتاف المسلمين ونشيدهم في كل موقف فيه نصر وظفر ، لأن الله أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم ، وما داموا مؤيدين به فلا خوف يعرف نفوسهم ، ولن يهزموا أبدا ، وهو افتتاحية تؤكد حدوث البشري العظيمة ، تناسباً مع الموقف .
- جاء الفتح : تم الفتح الأكبر ، فتح مكة ، استعارة مكنية - تجسم الفتح شخصا جاء قوياً ، مستخدما الفعل الماضي ( جاء ) ليؤكد ثبوت حدوثه ، ( الفتح ، النصر ) الفتح يجمع بين النصر المادي والمعنوي . وهو إيحاء لعهد جديد من الانتصارات الآتية - وكأنه فاتحة الباب لها ، وهو أدق من ( النصر ) لأن النصر هو انتصار أحد الطرفين في معركة أو مباراة ، ولم يكن ذلك في فتح مكة ، وهو تأثر بقوله تعالي (إنا فتحنا لك فتحا مبيناً ) .
- ابتهجت للمؤمنين نفوس سرها وشفي :
- نتيجة مترتبة على تمام الفتح وتحققه . ( للمؤمنين ) أسلوب قصر بتقديم ما حقه التأخير يفيد التخصيص للمؤمنين بأنهم وحدهم الذين ابتهجت وسرت وشفيت نفوسهم .
- ( ابتهجت ، سرها ، شفي ) تصوير لمراحل ازدياد آثار الفتح في نفوس المسلمين ، فقد ابتهجت وحتى امتلأت سروراً ، خلصها وشفاها مما كانت تكابده من آلام الغربة عن الديار والأهل ومن العذاب الذي لاقاه المسلمون من الكفار قبل الهجرة .
- أسلوب البيت : أسلوب خبري للتقرير والتوكيد ، وإعلان الفرحة بالنصر .
وهذا البيت إجمال للموقف كله ، سيأتي بعد تفصيل الأحداث منذ خروج النبي وصحبه الكرام من المدينة حتي تطهير الكعبة ، وانتصار الحق .
ولقد وفق الشاعر في ذكر الفتح والبهجة أولا ليطمئن النفوس ، ثم يقص الأمر بعد ذلك تفصيلاً .
2- مشي النبي ( ص ) : ( مشي ، سار ، أسرع ) مشي أدق الكلمات في موقعها تناسبا مع وقار النبوة وجلال صاحبها ، وإشارة إلي الثقة والاطمئنان . أما ( سار ) فإلي مكان ، و( أسرع ) توحي بالخوف والفزع والاضطراب ... وهذا لا يتفق مع الموقف ولا صاحبه - صلي الله عليه وسلم .
- يحف النصر موكبه : استعارة مكنية ، تصور موكب النبي وصحبه محوطاً محفوظاً بالنصر ، وكأن النصر شئ حسي حول موكب الرسول وصحبه .
( موكبه ) الموكب لا يكون إلا في النصر والبهجة ، واستعمالها دقيق لتناسبه مع ( يحف النصر ) وإيحاء بعظمة جماعة النبي وهم حوله كثرة بين راكب وراجل .
- يخف ، مشيعاً ، مكتنفا : ثلاث صور تؤكد شمول رعاية الله تعالي لموكب النبي وأصحابه منذ خروجهم من المدينة حتي تم الفتح ( مشيعاً ) عند الوداع ساعة الخروج ، ( مكتنفا ) مشمولا بالرعاية والنصر طول الطريق وساعة الفتح .